صحيفة ليبية شاملة
المحلية

نص كلمة السفير طاهر محمد السني مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة أمام مجلس الأمن

في يوم 16 مارس، 2022 | بتوقيت 9:19 م

أهنئكم على ترأسكم مجلس الأمن لهذا الشهر وأشكركم على تنظيم هذه الجلسة رغم الظروف الإستثنائية التي يعيشها العالم هذه الأيام، كما أشكر السيدة روز ماري ديكارلو والسيد تيروموتو على إحاطتهما.

السيدات والسادة
لا أبالغ إن قلت لكم أن إحاطتي اليوم تكاد تكون من أكثر الاحاطات تحدياً لوصف ونقل طبيعة الوضع الراهن في بلادي، بل ولاحظت اليوم من خلال بعض بياناتكم عدم القدرة على توصيف ما يحدث بشكلٍ واضح وربما حتى فهمه، ليس لعدم الدراية بل لشدة تعقيد المشهد.

كما تعلمون وما تحدثتم عنه اليوم، مدى حساسية الأوضاع التي تمر بها ليبيا في هذه المرحلة، فقد تابعتم وللأسف الانسداد السياسي منذ أن فشل الإستحقاق الإنتخابي الذي تطلع اليه الجميع، والذي كان مقرراً في ديسمبر الماضي، ها نحن اليوم نمر بمرحلةٍ حرجة جداً ومفترق طرق خطير، وشبح الإنقسام السياسي والمؤسساتي يخيم علينا من جديد، يأتي هذا بعد عام من اتفاق جنيف وما نتج عنه من مخرجات، وبعد جهود محلية ودولية عديدة دامت أشهر، ويأتي هذا الانسداد السياسي في وقت رأينا فيه بداية توافق مجتمعي ونهاية للحرب ومظاهر الصراع المسلح.

لذا ليس أمامنا إلا العمل معاً بجدية وايجابية هذه الفترة حتى لا نعود للانقسام من جديد، وتركيز كل الجهود والمبادرات في إتجاه نزع فتيل أي صراع أو اقتتال محتمل، والعمل على انجاز الإستحقاق الإنتخابي في أقرب وقت ممكن، كما ورد في مخرجات برلين وباريس وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وأهم من ذلك كله استجابةً لرغبة قرابة 3 مليون ناخب، كانوا جميعاً يسعون لإنهاء جميع المراحل الإنتقالية، وعدم نسف الإجراءات والتحضيرات التي أُعدت برغم وجود عدة تحديات، وبذلك نخسر الزخم الذي كان.

السيدات والسادة
ما إن تلوح بوادر الإنفراج في الأزمة الليبية ونتقدم خطوة إلى الأمام حتى يحاول البعض ارجاعنا خطوات الى الوراء، فالخلاف وغياب التوافق الحقيقي لا يزال السمة الأساسية في المشهد السياسي الحالي، وكله ناتج عن التجاذبات السياسية وتعايش البعض على الأزمات، ويغذيها كثير من التدخلات الدولية السلبية، تدخلات من دولٍ نقلت صراعاتها إلينا، وأصبح استقرارنا رهينة توافُقاتها ومصالحها.. لذا كان اجراء إنتخابات شفافة ونزيهة وبقوانين توافقية وقاعدة دستورية متينة، هو الضامن الحقيقي والوحيد لارجاع الشرعية للشعب، وإنهاء الصراع وحل الأزمة في البلاد، وهذا ما أكدنا عليه مراراً وتكراراً، وجاء ذلك أيضاً في كل بياناتكم وتصريحاتكم.

وفي هذا السياق، نشير إلى مبادرة رئيس حكومة الوحدة الوطنية والتي أعلن عنها مؤخراً وقدم لكم فيها وحسب رؤيته، سُبل معالجة الجمود السياسي للمضي قُدماً نحو الإنتخابات، موضحاً الآلية لتحقيق ذلك وكيفية تهيئة الظروف السياسية اللازمة لإجرائها دون تأخير، وهذا الطرح يتماشى مع موقف الأمين العام المعلن بأهمية عقد الإنتخابات في أقرب وقت ممكن، وإنهاء المراحل الإنتقالية وكذلك يتوافق مع المبادرات الأممية الأخيرة والمتعددة، التي تسعى لإيجاد توافقات بين مجلس النواب ومجلس الدولة لوضع قاعدة دستورية توافقية تحقق هذا الغرض.

وفي هذا الصدد ورغم كل المعوقات، ندعو مجدداً كل الجهات الدولية والمحلية الفاعلة وبالأخص الأمم المتحدة، إلى دعم جهود المفوضية العليا للانتخابات وارسال فرقها الخاصة بتقييم الإحتياجات، من أجل الترتيب للاستحقاقات القادمة بوقتٍ كافٍ، لتكون هذه رسالة واضحة للجميع عن جدية المجتمع الدولي في انجاز الإنتخابات العامة عندما تسمح الظروف والتي يتطلع إليها الجميع.

السيدات والسادة:
إن جهود المجلس الرئاسي مستمرة في قيادة التوافق بين الليبيين رغم كل التحديات، فلقد بادر أعضاء المجلس الرئاسي بعقد عدة لقاءات وحوارات بين القوى الوطنية الفاعلة من كافة أنحاء البلاد، لإيجاد قواسم مشتركة يمكن من خلالها حل الانسداد السياسي الحالي وكذلك العمل على اطلاق ملف المصالحة الوطنية، وفي هذا الإطار تم إنشاء لجنة مشكلة من الخبراء القانونيين تقوم بإعداد مشروع قانون المصالحة الوطنية والذي سيتم احالته إلى السلطة التشريعية لإقراره. أيضاً تم في الآونة الأخيرة مراجعة وتقييم أكثر من ثلاثين مشروع من مشاريع المصالحة التي قدمت للمجلس الرئاسي، وتم إختيار ستة مشاريع منها سيتم دمجها فى مشروع واحد، كما وسيتم الإعلان قريباً عن الملتقى الأول للمصالحة الوطنية.

وعند حديثنا عن المصالحة، لا يفوتنا التذكير بأهمية دعم جهود اللجنة العسكرية المشتركة، والتي استطاعت حتى الآن تحييد نفسها من التجاذبات السياسية، ونطالب بإستمرار دعمها لضمان التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار، وإزاحة العقبات التي تحول دون تنفيذ كامل بنودها، وعلى رأسها انهاء كافة أنواع التواجد الأجنبي على الأراضي الليبية كمطلبٍ سيادي لا تنازل عنه، وتوحيد وبناء مؤسسة عسكرية على أسس مهنية واحترافية، مؤسسة عسكرية تكون تحت سلطة مدنية يكون دورها الفاعل حماية الدولة وأمنها القومي ووحدة أراضيها، دولة تحتكر هي فقط السلاح بمؤسساتها الأمنية والعسكرية.

السيدات والسادة
إن ليبيا ليست في معزل عن دائرة الصراع الدولي المؤسف الذي يشهده العالم هذه الأيام، وشهد هذا المجلس عجزاً في مواجهتها كما عجز في الأزمة الليبية لسنوات، هذا الصراع الدولي بلا شك له تأثير مباشر وغير مباشر على الوضع في ليبيا والمنطقة، هذا التأثير له بُعدٌ أمني واقتصادي، نظراً لتعدد الأطراف الدولية المتدخلة والمتصارعة على أرضنا، لذا فنحن نحذر من محاولة البعض استغلال ليبيا لنقل الصراع وتصفية الحسابات الإقليمية فيها، وبالأخص محاولة التلاعب بملف الطاقة.

ومن هنا نؤكد أن أي مساس بهذا الملف واستخدامه كورقة ضغط في الصراع الدولي الجاري، هو أمرٌ مرفوض وسيكون له تابعات محلية ودولية خطيرة، خصوصاً إذا عدنا لحالة الانقسام من جديد، إن هذه الثروات وعدالة توزيعها والاستفادة منها، حق كل الليبيين دون استثناء أو تهميش لأي مدينة أو منطقة، واستقرار ليبيا سياسياً سيضمن الإستقرار الإقتصادى والأمني فيها، مما سيساهم في إستقرار المنطقة وبالأخص دول الجوار والساحل الأفريقي

وفي الختام.. علينا التذكير بأن المشكلة في ليبيا ليست فقط قانونية.. بل هي مشكلة سياسية ومجتمعية متراكمة منذ سنوات.. لذا فإن أي حلول مقترحة يجب أن تكون وافية وشاملة، ومن هنا نؤكد ترحيبنا بكل الجهود المحلية والدولية لإيجاد حلول سلمية للأزمة الراهنة، بالأخص الجهود المبذولة للعمل على جلوس الفرقاء على طاولة الحوار، كما ندعو كل الليبيين لاعلاء صوت العقل والحكمة، والإبتعاد عن فخ الحرب والفتنة، لذا نحيي بهذه المناسبة كل من ساهم ويساهم في نزع فتيل الصراع والمواجهات التي كانت محتملة خلال الأيام الماضية، سواء من الأعيان والوجهاء والقيادات الأمنية.. نحييهم على جهودهم النابعة من الحس الوطني والشعور بالمسؤولية، وإن كان هناك شيئ ايجابي حدث هذه الفترة، فهو إعلان جميع القيادات الفاعلة في المشهد السياسي الليبي من كافة الأطراف عن رفضهم التام لأي صراع أو اقتتال جديد، وتعهدهم بانتهاج الحل السياسي السلمي سبيلا.. ونحن جميعاً نؤكد اليوم عدم القبول أو السماح بإزهاق مزيد من الأرواح وخاصة من الشباب في حروب لا فائدة منها إلا الدمار والخراب.. حروب الرابح فيها خاسر، حروب تأتي بمزيد من التدخلات، تتصارع فيها دولٌ بالوكالة، دول أثبتت أن أعداء اليوم يصبحون أصدقاء الغد، ودم الأبناء الذي يسقط اليوم يذهب غداً للأسف هباء.. حان الوقت لإنهاء دوامة الصراع الذي دام منذ 2011، حان الوقت لنتجاوز خلافات الماضي الأليمة ونبدأ معاً في انجاز ميثاق وطني حقيقي، ميثاق يجمعنا ولا يفرقنا، ويقوينا ولا يضعفنا، وكلنا ثقة أيها السيدات والسادة أننا وبعزيمة شعبنا واصراره، ماضون في إتجاه الصلح والتصالح ورأب الصدع، والمضي قُدماً مهما كانت التحديات نحو بناء دولة المؤسسات والقانون.. دولة الإستقرار والإزدهار.