
هالة شيحة
حذر الامين العام لجامعة الدول العربية احمد ابو الغيط من التطورات الخطيرة التي تشهدها المنطقة العربية في ظل السياسة التوسعية الاسرائيلية العدوانية والتي تدفع بالمنطقة إلى آتون الصراعات وتضرب أسس السلام القائم، وتضعف فرص السلام الدائم في المستقبل.
وقال ابو الغيط في كلمته امام الاجتماع الوزاري العربي الذي انطلقت أعماله اليوم بمقر الجامعة العربية ان الوضع العربي على ما ترون جميعاً.. بعض الدول يواجه أوضاعاً هي الأقسى في تاريخه الحديث والمعاصر.. فلا يخفى أن هناك دولاً مهددة في وجودها ذاته.. ودولاً تنهش في جسدها أمراض الفتنة والاحتراب الداخلي.
و إن بلداً عربياً عزيزاً مثل السودان يواجه أزمة إنسانية هي الأكثر حدة على وجه الأرض اليوم… وليس الوضع في اليمن بأفضل حالاً… والأسباب في الحالين سياسية… ولكن الثمن الذي تدفعه الشعوب فادح وبما يفوق الوصف.
أما التحديات التي تواجهها ليبيا وسوريا والصومال.. فهي متعددة الأبعاد، شديدة الوطأة على الشعوب وكيانات الدول.
وبرغم هذه الصورة القاتمة في بعض جوانبها.. فإن العروبة كفكرة جامعة ومنفتحة.. وكحقيقة ثقافية وتاريخية قائمة وممتدة.. مشددا على ان العروبة مازالت تمثل النسيج الرابط لأوصال هذه المنطقة… ومازالت هذه المنظمة، وبعد ثمانية عقود، هي المظلة التي تضمنا… بكل همومنا المشتركة وتطلعاتنا وأحلامنا… هي الإطار الذي ينتج مواقف عربية جماعية حيال كافة القضايا والأزمات والتحديات.. وهي السقف الذي نتوافق تحته على المصلحة العربية العليا ومقتضياتها.
واضاف ابو الغيط انه لم يعد خافياً على أحد في العالم أن إسرائيل تمارس حرب إبادة على سكان غزة.. فإما الموت قتلاً أو جوعاً، أو ترك الأرض لتصبح نهباً للاستيطان والاحتلال.. هذه الحرب الوحشية على المدنيين تتواصل يومياً بالقصف والقتل وهدم المنازل.. وبالحصار والتجويع ومنع إدخال المساعدات… بعد هدنة استمرت ما يقرب من شهرين… شهدت تبادلاً للأسرى وعودة للرهائن، وتخفيفاً للوضع الإنساني المستحيل في غزة، عادت إسرائيل لتستأنف حرب الإبادة في 18 مارس الماضي.. ويقترب عدد الشهداء الفلسطينيين الذين قضوا على يد الاحتلال منذ هذا التاريخ من الألفين… فضلاً عن إغلاق القطاع بالكامل أمام المساعدات والمواد الغذائية والصحية.. على نحو أدخل القطاع وسكانه في وضع هو الأسوأ والأشد وطأة على الإطلاق منذ أكتوبر 2023.
فلم يعد هناك شك في أن التطهير العرقي هو هدف الحرب… وللأسف ساعد طرح سيناريو التهجير في إعطاء دفعة غير مسبوقة لخطط اليمين الإسرائيلي الأشد تطرفاً وقسوة… خطط لإعادة احتلال أجزاء من القطاع وفرض حصار كلي عليه، وفرض واقع من القتل اليومي على الفلسطينيين… ودفع العالم كله لتقبل هذا الوضع باعتباره أمراً طبيعياً.
ونبه إلى أن صمت العالم على هذا الوضع المتجرد من الإنسانية هو صمت مخزٍ ومشين… مشيرا إلى مواقف البابا الراحل “فرنسيس” الذي فارق عالمنا قبل ثلاثة أيام، والذي كان صوتاً فريداً للإنسانية والضمير في زمن اختار فيه الكثيرون أن يعطوا ظهورهم لهذه القيم.. وظلَّ حتى اللحظة الأخيرة، وقبل وفاته بساعات، منحازاً للحق والإنسانية مطالباً بوقف إطلاق النار وتقديم المساعدة لشعب غزة الذي “يتضور جوعاً ويتوق شوقاً إلى مستقبل يسوده السلام”.. كما قال بنص كلماته في عظته الأخيرة.
واضاف ابو الغيط: لقد عبَّر الجانب العربي عن موقفه الواضح الداعي لوقف حرب التطهير العرقي فوراً.. ورفض سيناريو التهجير غير الواقعي وغير القانوني.. وقدم طرحاً بديلاً في قمة القاهرة في مارس الماضي.. طرحاً واقعياً، وعملياً، وقابلاً للتطبيق.. للتعافي المبكر وإعادة الإعمار وإدارة القطاع على نحو يتجنب اندلاع مواجهات في المستقبل… ويمهد الطريق لتجسيد حل الدولتين الذي لا نرى بديلاً عنه كسبيل للاستقرار والسلام في المنطقة… ونتطلع جميعاً إلى دعم أصدقائنا وأصدقاء السلام عبر العالم.. من أجل إنقاذ هذه الرؤية وهذا الحل من مخططات اليمين المتطرف ذي النزعات التوسعية في إسرائيل.. ونتطلع إلى المؤتمر الذي يعقد في يونيو القادم.. في رحاب الأمم المتحدة.. وبرئاسة سعودية فرنسية مشتركة.. ليمثل نقلة نوعية في التعامل مع حل الدولتين على نحو يدفع به من مجال التأييد الخطابي إلى التطبيق العملي والتجسيد الفعلي.
وتابع ابو الغيط: لا تقف أطماع المتطرفين في حكومة إسرائيل عند حدود فلسطين… إذ صار واضحاً ما يسعون إليه من فرض واقع جديد على المنطقة… واقع من التوتر المستديم، والعنف اليومي، والغارات المتواصلة والمناطق العازلة التي تتغول على سيادة البلدان العربية وتقتطع الأراضي من إقليمها… تحت ذرائع كاذبة.
و إن هذه السياسة التوسعية العدوانية تدفع بالمنطقة إلى آتون الصراعات وتضرب أسس السلام القائم، وتضعف فرص السلام الدائم في المستقبل.. و إننا ندين الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية وتغولها على سيادة الدولة وإقليمها ومساعيها المكشوفة لتأجيج الفتن والصراعات الداخلية في هذا البلد.. كما ندين اعتداءات إسرائيل المتواصلة على لبنان وخروقاتها المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار.. وندعو دول العالم للضغط على دولة الاحتلال والاستيطان للانسحاب من الأراضي العربية.
وأقول بعبارة واضحة إن التصورات التوسعية لليمين الإسرائيلي.. وسياساته المتهورة لن تقود لرسم شرق أوسط جديد كما يعلن بعض قادته.. وإنما تؤسس للكراهية وتؤصل للعنف وتزج بالمنطقة في حلقات لا تنتهي من الصراع.
وقال ابو الغيط: إن جراحاً عربية لازالت مفتوحة… وأخطرها جرح فلسطين النازف… ولكن الدول الأعضاء في هذه المنظمة لازالت تسعى لمواجهة التحديات بمنطق العمل الجماعي وبروح العروبة.. وأحسب أن رياح التغيرات العالمية المتسارعة والتي تكاد تقتلع الراسخ من القواعد والمألوف من المعايير.. هذه الرياح العاتية تحملنا على التشبث بهذا السقف والاحتماء بذلك الجدار… ففي أوقاتٍ مثل هذه، تغيم فيها الرؤية ويشتد انعدام اليقين، يبقى العمل الجماعي ملاذاً وسبيلاً.. وتظل العروبة حضناً وسنداً، وباعثاً للثقة في المستقبل.